كيف تتعلم مهارة جديدة في عالمٍ تتسارع وتيرته ويتطوَّر بسرعةٍ كبيرة لم يسبق لها مثيل، يصبح تعلم مهارات جديدة أمرًا بالغ الأهمية للنجاح والتأقلم مع التغيرات المُستمرة. لا شكَّ أنَّ النجاح المُستمر يتطلَّب تعلمًا مستمرًا، فلا بديل عن مُواصلة التعلم دون توقّف حتى تتمكَّن من تحقيق النجاح في وظيفتك أو في أي منحى من مناحي الحياة، أليس كذلك؟ بدءًا من قراءة الكتب إلى حضور الندوات والمؤتمرات لمُتابعة آخر ما توصل إليه العلم في المجال الذي تعمل به، سيتعيَّن عليك العثور على استراتيجيات فعالة للتعلم.

ومع ذلك، قد يجد العديد من الناس صعوبة في إيجاد الوقت الكافي لتعلم هذه المهارات بسبب مُتطلبات العمل والحياة اليوميَّة. ولكن على الرغم من ذلك، فإنَّ هنالك بعض الاستراتيجيات الفعالة التي يمكن استخدامها لتعلم المهارات الجديدة عندما لا تملك الوقت الكافي. إذًا، ما هي استراتيجيات التعلم التي يُمكن للمرء أن يستخدمها، خاصةً تلك المُناسبة لشخص لديه جدول أعمال مُزدحم؟ .

استراتيجيات فعّالة لتعلم مهارات جديدة عندما لا تملك الوقت

في هذا المقال، سنستعرض عددًا من الاستراتيجيات الفعالة لتعلم المهارات الجديدة حتّى عندما لا تمتلك الوقت الكافي. سنناقش كيفيَّة تحديد الأولويّات والتحكم الكامل في وقتك، بالإضافة إلى تقنيات التعلم السريع.

1- فرز الالتزامات

يجب عليك ترتيب التزاماتك وفقًا لأولوياتك الخاصَّة بدءًا بالأهم فالمُهم. لذلك، من المُهم أن تضع المهارة الجديدة التي ترغب في تعلّمها من ضمن التزاماتك الأساسية وتُوفِّر لها وقتًا على حساب بعض الالتزامات الأخرى الأقل أهميَّة مثل تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو غير ذلك.

أولًا، قُم بإعداد قائمة بجميع الالتزامات، من خلال كتابة جميع الالتزامات اليوميَّة والأسبوعيَّة والشهريَّة، سواء كانت مهام عمليَّة أو شخصيَّة. بعد ذلك، قُم بتصنيف الالتزامات حسب الأهمية والضرورة، ثم قُم بإعداد جدول زمني يومي وأسبوعي وشهري يتضمَّن جميع الالتزامات المُصنَّفة حسب الأولويات. تأكَّد أيضًا من تخصيص وقت كافٍ للأنشطة الهامة والعاجلة.

حتى تضمن تنفيذ هذه الخطوات بنجاح، من المُهم أن تُجري مُراجعة لجدولك الزمني بشكلٍ دوري وتقييم فعاليته باستمرار. قد تحتاج إلى إجراء تعديلات على جدولك بناءً على التغيرات في الأولويات أو الظروف.

2- تبنّي خطة طويلة الأمد

يُعدّ تبنّي التوجه طويل الأمد لتنفيذ أي هدف ترغب في تحقيقه عاملًا هامًّا فيما يتعلَّق بإستراتيجيات التعلم النشط، حيث يتميَّز التوجه طويل الأمد – بالمُقارنة بالتوجه قصير الأمد –  بتأثيره الكبير على تقدمك وقدرتك على الاستمرارية. لا شكَّ أنَّ وضع خطة طويلة الأمد للتعلم هو أمر أساسي لتحقيق النجاح في أيّ مجال تُريد تعلّمه، حيث إنَّ الخطط الطويلة تمنحك وقتًا كافيًا وتضع عليك عبئًا أقل، ممّا يضمن لك أن تبقى مُلتزمًا بها طوال الوقت.

يُساعد وضع خطَة طويلة الأمد في تحديد الأهداف الواضحة والمُحدَّدة، وتحديد الخطوات اللازمة لتحقيقها، وبهذه الطريقة ستتمكَّن من العمل بشكلٍ أكثر فعاليَّة وتحقيق النتائج التي ترغب فيها. بالإضافة إلى ذلك، ستعمل الخطة طويلة الأمد كمصدر للتحفيز والإلهام، حيثُ يُمكنك النظر باستمرار إلى أهدافك المحددة والمُدَّة الزمنيَّة المُخصَّصة لتحقيقها، ممّا يُشجّعك على العمل بجدية والالتزام بتحقيق هذه الأهداف دون وجود أي ضغط على عاتقك.

3- تعلّم الاستغناء عن الحافز

عتمد عدد كبير من الناس بشكلٍ طبيعي على الحافز والدافع للحفاظ على تقدمهم واستمراريَّتهم عندما يشعرون بالملل أو الإرهاق. ولكن لسوء الحظ، فقد تشعر بالحافز في يوم ولا تشعر به في يومٍ آخر. لذلك، يجب أن تُعوِّد نفسك على الاستمرار في التعلم سواء كان لديك الحافز لذلك أم لا. عندما لا تشعر بالتحفيز، فقط تصرَّف كالمعتاد وانغمس في عملك بغض النظر عمَّ تشعُر به.

لا شكَّ أنَّ القدرة على الاستمرار في العمل وإكمال المهام المطلوبة والمضي وفقًا للخطة الموضوعة بغض النظر عن وجود الحافز أم لا تُعد أمرًا مُهمًّا لتحقيق النجاح في الحياة الشخصية والمهنية. من خلال التعود على العمل من دون وجود أي دافع داخلي أو خارجي، ستتمكَّن من تحسين الانضباط الذاتي، وزيادة الاعتماد على الذات، وتعزيز الثقة بالنفس وبالتالي تحقيق النتائج المطلوبة. 

لذلك، إذا لم تضع في حسبانك التَّدرّب على إكمال مهامك بدون وجود أي حافز لتشجيعك، فمن المُرجَح أنَّك لن تتمكَّن من إكمال أي خطة حتى النهاية.

4- تحدَّث عن المهارات التي تريد تطويرها

يُعدّ الحديث عن المهارات التي ترغب في تطويرها خطوة مهمة في بداية مسيرة تطوير المهارات الشخصية. بعيدًا عن المحادثات الرسمية التي تُمارسها باستمرار مع زملائك لتدريب نفسك على مهارة مُعينة، فإنَّ المُحادثات غير الرسمية المُستمرة مع المُمارسين المُحترفين يُمكن أن تساعدك في الحفاظ على تقدّمك عند استخدام استراتيجيات التعلم النشط. حتّى التحدث إلى غرباء عشوائيين حول مجالك والمهارات التي ترغب في اكتسابها يُمكن أن يكون مفيدًا.

لا تترك أي تفاصيل دون الحديث عنها! إذا كنت تتعلَّم لغة جديدة، فتحدَّث إلى كل شخصٍ تُقابله عن هذه اللغة وعن مدى أهميتها وانتشارها. إذا كنت ترغب في تعلم البرمجة، فتحدَّث مع زملائك طوال اليوم عن لغات البرمجة المُتاحة وأيّها أسهل عليك لتبدأ بها.

5- كُن دقيقًا بشأن مصادر المعرفة الخاصة بك

مثلما لم تحصل على درجتك الجامعية عن طريق البحث عن حقائق عشوائية على Google. فلن تحصل أيضًا على قاعدة معرفية قوية لتطوير مهاراتك باتِّباع هذه الطريقة في أي مجال آخر. ابحَث عن كتب شهيرة أو دورات تدريبية حسنة السّمعة لتتعلَّم منها. كُلّما كان مصدرك المعرفي أكثر موثوقية، تمكَّنت من الوصول إلى هدفك بشكلٍ أسرع وأفضل. 

يجب أن يكون المصدر الذي تتعلَّم منه أكثر تنظيمًا إذا أردت أن تختصر على نفسك الطريق. فلا شكَّ أنَّ الاشتراك في دورةٍ تدريبيَةٍ ذات منهج مُحدد وخطة زمنية مدروسة، أفضل بكثير من مُجرَّد الاعتماد على البحث الذاتي للوصول إلى المعلومة.

يُمكنك أيضًا حضور المؤتمرات والفعاليات التعليمية الأُخرى. فلا شكَّ أنَّ مُقابلة الآخرين في نفس المجال والانخراط معهم في برنامج مُنظَّم لعدَّة أيام سيُساهم بشكلٍ كبير في تعزيز تقدّمك. 

6- المشاركة في المسابقات أو العروض

ستؤدّي المشاركة في أيّ مُنافسة أو أداء عام إلى اختبار مُستوى مهاراتك الحالي ودفعك إلى آفاق جديدة. لذلك، فإنَّ المُشاركة في المُسابقات أو العروض هو أمرٌ لابد منه في التعلّم النشط.

من خلال المُشاركة في المُسابقات، ستُتاح لك الفرصة لتطبيق ما تعلَّمته في مواقف حقيقية ومواجهة تحديات جديدة. ممّا بدوره سيُساعدك على تعزيز المهارات العمليَّة والنظريَّة. بالإضافة إلى ذلك، ستُحفّزك المُنافسة على تحسين أدائك والعمل بجد لتطوير مهاراتك. فالرغبة في الفوز والتفوق على الآخرين يُمكن أن تكون دافعًا قويًا للتعلّم والنمو.

تُتيح لك المشاركة في المُسابقات أيضًا فرصة التعرف على أفكار ومنهجيات جديدة من المُشاركين الآخرين والذي سيُساعدك على توسيع آفاقك وتطوير مهاراتك بطرقٍ جديدة ومُبتكرة.

7- تحفيز نفسك بمبدأ الثواب والعقاب

لا شكَّ أنَّه من المُهم أن تُكافئ نفسك عند إكمال مُتطلبات عملك على أكمل وجه أو عند تنفيذ جميع المهام في الموعد المطلوب. من ناحيةٍ أخرى، إذا كُنتَ لا تضع الجهد والوقت المطلوب في التعلم وفقًا لخطتك الزمنية التي وضعتها. فمن المُفيد أيضًا أن تضع بعض القواعد الصارمة لمُعاقبة نفسك عن طريق – على سبيل المثال – حرمان نفسك من بعض العادات التي تستمتع بالقيام بها. 

على سبيل المثال، إذا لم تنهي جدول التعلم الخاص بيوم الخميس. يُمكنك تعويض هذا الوقت في يوم الجمعة ليحل محل الوقت المُخصص للاستمتاع والراحة.

8- اعتمد على التمارين الموفرة للوقت

تمتلك جميع المجالات بلا استثناء مهارات أساسية يُمكن مُمارستها بكفاءة في بضع دقائق فقط يوميًّا. طالما أنَّك تبذل الكثير من الجهد والتركيز لهذه الممارسة. بدلًا من الاعتماد على التمارين أو المصادر التفصيلية المُستهلكة للوقت. يُمكنك الاعتماد على التمارين السريعة التي تُساعدك على اكتساب نفس القدر من المهارة في وقت أقصر.

تُعتبر مثل هذه التمارين الموفرة للوقت رائعة في الحفاظ على الزخم والاستمرارية خلال الفترات التي لا يُمكنك فيها الالتزام بالكثير من الوقت للتعلم.

9- تطوع بمهارتك الجديدة

العمل التطوعي هو استراتيجية تعليمية نشطة تُساعدك على ممارسة مهاراتك بشكل عملي حتى تُتقنها. وتُعد إحدى أهم الطرق لترسيخ التعلم وتثبيت ما تعلّمته في رأسك.

فالتطوع هو من الطرق الفعالة التي يمكن من خلالها تحسين المهارات بشكل كبيرٍ من خلال خلق الفرصة للتطبيق العملي للمهارات. حيث يتم العمل على مشاريع وأنشطة مختلفة تتطلَّب استخدام المهارات المُراد تحسينها. يُمكن للتطوع أيضًا أن يُساعد في التعلم من الخبرات السابقة للمتطوعين الآخرين. حيث يُمكن الاستفادة من أفكارهم وتجاربهم ونصائحهم لتحسين المهارات.

توجد العديد من المنصات المختلفة الَّتي يُمكنك التطوع من خلالها للعمل في المجال الذي يشمل مهاراتك. مثل VolunteerMatch والتي تعرض كل أنواع الفرص التطوعية التي قد ترغب فيها. تُركِّز مُنظمات أخرى مثل Taproot Foundation على الفرص المُتاحة للمتطوعين ذوي المهارات التجارية أو المالية أو التسويقية. بالإضافة إلى ذلك، لدى الأمم المتحدة مجموعة واسعة من فرص التطوع في العديد من البلدان المختلفة.

10- استخدم التخيل

من وقتٍ لآخر، خُذ بضع دقائق لتتخيَّل أداء مهارتك الجديدة على أكمل وجه. يُمكن ممارسة هذا التمرين في غرفة هادئة قبل النوم  أو مُباشرةً قبل أداء النشاط المُتعلق بهذه المهارة. بالنسبة لبعض الأشخاص، تعمل هذه التقنية بشكل جيد جدًا ولكنَّها تتطلَّب أيضًا جهدًا كبيرًا.

لطالما تم استخدام هذا الأسلوب في الألعاب الرياضية وفنون الأداء، مثل الرقص والتمثيل. ومع ذلك، فقد وجد نفس هذا الأسلوب طريقه إلى العديد من المجالات الأُخرى، بدءًا من الأعمال التجارية إلى الأبوة والأمومة!

يُمكنك مُمارسة التخيل في تحسين مهاراتك من خلال العديد من الطرق، مثل:

  • تصور النتائج المطلوبة: يُمكنك تصور النتائج المطلوبة لإتقان المهارة المُراد تحسينها. وذلك عن طريق تخيل نفسك في الوضع المثالي وأداء المهارة بطريقةٍ صحيحة وفعالة.
  • تصوّر المواقف التي تتطلب هذه المهارة: يُمكنك أيضًا من خلال تخيّل المواقف التي تستدعي استخدام هذه المهارة أن تُحسّن من مهاراتك بشكلٍ مُباشر عن طريق التفكير في كيفية حل المُشكلات من خلال ما تعلّمته حتى الآن من هذه المهارة. يتم ذلك عن طريق تخيّل نفسك في مواقف مُختلفة والتفكير في كيفية التعامل معها بشكلٍ فعّال.
  • تخيّل الإجراءات الصحيحة: حيث يُمكنك تصور الإجراءات اللازمة لاستخدام المهارة بشكلٍ فعال. وذلك عن طريق تخيّل كيفية تنفيذ المهارة بالطريقة المثاليَّة والتفكير في الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك.

11- سجّل تقدّمك

قم بتدوين ملاحظات حول تقدمك بشكلٍ يومي أو عند الحاجة. حيث يُمكن أن تصف هذه الملاحظات أهدافك طويلة المدى أو تُلخِّص أيّ حدث مُعيّن أو تُلخِّص الدروس المُستفادة والأشياء التي يجب القيام بها بشكلٍ مُختلِف في المستقبل أو التركيز على المُلاحظات المُهمّة. هذه التقنية فردية للغاية وتتطلَّب الكثير من التجارب، لكن العديد من أصحاب الأداء المُتميِّز يُشيدون بها.

12- لا تستسلم أبدًا

رُبما تكون الاستراتيجية الأكثر أهمية على الإطلاق هي الاستمرار. إذا كان أسلوبك خاطئًا ولكنَّك واصلت المحاولة، فاستمر في العمل. في النهاية، ستتمكَّن من تصحيح أخطائك والسير في المسار الصحيح. ومع ذلك، إذا استسلمت واستقلت، فإنَّ تحقيق أيّ تقدّم في المستقبل يُصبح مستحيلًا.