تُعد فرنسا من الدوَل ذات التّاريخِ العَريق والطَّويل، وهي ذاتُ حُكمٍ ديمقراطّي انتخابيّ، يتم انتخاب الرَّئيس من قِبَل الشَّعب ويستمرّ في الحُّكم مدة خمسِ سِنين. ويتفرَّد الرئيس في تعيين رئيس الوُزراء، ويقود البِلاد.
الموقِع الجُغرافيّ لفرنسا :
تقع فرنسا في الغَرب من قارّة أوروبا. يحدُّها من الشَّمال بحر المانش أو القنال الإنجليزي وخليج دوفر وبحر الشَّمال وبلجيكا وألمانيا ولوكسمبورج. ومن الشّرق ألمانيا وسويسرا وإيطاليا.، ومن الجَنوب الشَّرقيّ إمارة موناكو والبحر المُتوسط، ومن الجنوب إندورا وإسبانيا، ومن الجِهة الغربيَّة خليج بسكي.
ساهم في تأليف هذا الكتاب ما لا يقل عن خمسة وعشرين باحثاً وأستاذاً جامعياً فرنسيا. وكل باحث أخذ فترة من تاريخ فرنسا وتحدث عنها. فالبعض كتب عن تاريخ فرنسا في القرون الوسطى نظرا لتخصصه في الموضوع.، والبعض الآخر كتب عن تاريخها في العصور الحديثة. فالباحث أندريه بورد الأستاذ في جامعة مرسيليا كتب بحثاً مهماً عن فرنسا إبان عصر التنوير الممتد من عام 1715 وحتى عام 1789 تاريخ اندلاع الثورة الفرنسية.
وكان مما قاله: كانت فرنسا إبان القرن الثامن عشر عندما ظهرت حركة التنوير الفلسفي مقسومة إلى ثلاث فئات:
فئة الكهنة ورجال الدين، وفئة الأرستقراطيين الإقطاعيين، وفئة عامة الشعب. وكانت الفئة الأولى تعد ما لا يقل عن مئة وخمسين ألف شخص، هذا في حين أن العائلات الإقطاعية كانت تعد نصف مليون تقريبا.أما بقية الشعب فكانت تصل أربعة وعشرين مليون ونصف نسمة. والفئتان الأوليتان كانتا تسيطران على قدرات البلاد وسلطتها وثرواتها. فالملك لويس الرابع عشر كان يقف على رأس الهرم وتقع تحته مباشرة كل العائلات النبيلة أو الإقطاعية التي تملك أراضي فرنسا.
وأما فئة الكهنة فكانت تحيط به وتخلع المشروعية على حكمه بصفته خليفة الله في الأرض. وكان كبار الكهنة المسيحيين يتمتعون بامتيازات مادية كبيرة تماما كفئة الأرستقراطية الإقطاعية. وحده الشعب كان يشتغل ويقدم الثروة هدية لطبقة الكهنة وطبقة الإقطاع. وفي ذات الوقت كان يتضور جوعا في أحيان كثيرة. وبالتالي فكان مجرد خادم لدى طبقة الإقطاع وطبقة الاكليروس.
ومعظم الشعب الفرنسي آنذاك كان من الفلاحين، ولكن كانت هناك أيضا فئة الحرفيين والصناع في المدن. ووضعها كان أفضل عموما من وضع الفلاحين. ولكن الضرائب الباهظة التي كان النظام الاطلاقي المستبد يفرضها على الشعب كانت تثقل كاهله وتجعله يعيش في قسم كبير منه على حافة الجوع.
وهذا هو السبب الذي أدى إلى الانفجار لاحقا: أي اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789. ولكن هذه الثورة الكبرى في تاريخ البشرية لم تندلع إلا بعد أن حصلت الثورة الفكرية قبلها: أي ثورة التنوير الفلسفي التي أدت إلى صحوة الشعب واستيقاظه على وضعه المزري. وهكذا تجرأ للمرة الأولى على أن يشك بقادته ويتمرد على هذا النظام الظالم والجائر على الرغم من قداسته المسيحية.
ثم يردف المؤلف قائلاً:
في الواقع إن الثورة الفكرية سبقت الثورة السياسية في فرنسا. بل ويمكن القول بأن الثانية لم تكن إلا ثمرة للأولى وتتويجا لها. ولولا تغيير العقول لما حصل تغيير الواقع. هذا أهم شيء تعلمنا إياه تجربة التنوير الفلسفي أو الثورة الفرنسية التي نتجت عنها. وقد كان هناك فلاسفة عديدون في ذلك الوقت. نذكر من بينهم فونتنيل الذي عاش حوالي المائة سنة ولم يكن يحلف إلا بالعلم الفيزيائي الرياضي وتقدمه. وكان يعتقد أنه سينقذ البشرية ويحقق لها التقدم المادي والرفاهية الاقتصادية. وكان من أتباع ديكارت وفلسفته العقلانية الميكانيكية.
ويمكن أن نذكر أيضا فولتير الذي كان مؤمنا بالله ولكن ينكر كل ما عدا ذلك من عقائد وطقوس ومعجزات وخرافات مسيحية. وقد انخرط في صراع ضار مع الأصوليين ورجال الدين كما هو معروف. وكان هناك هيلفيتيوس المادي الأناني الذي يقول بأن هدف الفلسفة تحقيق المنفعة للإنسان، وكل فكر لا يحقق سعادتي أو مصلحتي الشخصية فلا معنى له. ولم يكن يؤمن بوجود أي شيء خارج هذا العالم المادي الذي نراه ونعيش فيه.
وكان هناك الفيلسوف ديدرو صاحب النظرية المادية أيضا ولكن بشكل أخلاقي. ففي رأيه أن الإنسان المادي يمكن أن يكون أخلاقيا جدا مثله في ذلك مثل الإنسان المؤمن، بل وبشكل أكثر صرامة. لماذا؟ لأن الكثيرين من رجال الدين أو الاكليروس المسيحي كانوا يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر.
وبالتالي فقد كانوا منافقين ويضحكون على الشعب البسيط ويستغلونه ماديا إلى أبعد الحدود. وكان ديدرو يقول بأن هناك نوعين من الأخلاق: الأخلاق الدينية والأخلاق العلمانية. وهذه الأخيرة هي التي انتصرت في فرنسا بعد الثورة الفرنسية، وهي التي تهيمن الآن على كل أوروبا وليس فقط على فرنسا.
ثم يردف المؤلف قائلاً: وكان هناك فلاسفة آخرون عديدون ليس أقلهم مونتسكيو صاحب كتاب روح القوانين والفصل بين السلطات الثلاث، ثم جان جاك روسو، ثم دالامبير المختص بالعلوم البحتة كالرياضيات والهندسة والفيزياء وسواها. . . باختصار كان فلاسفة التنوير متعددي المشارب والأذواق والاتجاهات والاختصاصات، ولكن كان هناك شيء واحد يجمع بينهم، ألا وهو المنهجية العلمية في البحث والتفكير.
فرجال الدين كانوا خاضعين للعقلية الخرافية والميتافيزيقية ويحتقرون العلوم التجريبية. وكانوا يعتقدون أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان وأن كل شيء موجود في النصوص الدينية القديمة والمقدسة، وبالتالي فلا داعي للبحث عن الحقيقة من خلال العلوم والتجربة العلمية، وكانوا خاضعين للمسلمات اللاهوتية والطائفية والمذهبية.
أما الفلاسفة فكانوا يقولون العكس. كانوا يعتقدون بأن نور العلم والعقل هو وحده الذي يمكن أن يقودنا إلى اكتشاف الحقيقة. من هنا نتج الاسم الذي اشتهروا به: التنوير. ولم يعد المحرك الأساسي لهذا العمل هو الإيمان الديني وإنما العقل الفلسفي، فهو الذي يضيء لنا الطريق ويتيح لنا اكتشاف العالم الأرضي والمادة وقوانين الطبيعة.
وهو الذي يؤدي إلى اكتشاف الآلات والمخترعات الحديثة التي تريح الإنسان من بذل الجهد العضلي. المنهك يوميا والتي تحقق له المعجزات والرفاهية والحياة الرغيدة، وهذا ما تحقق لاحقا في الواقع. ولذلك فإن الشعوب الأوروبية. اتبعت فلاسفة التنوير ومشت خلفهم وانصرفت عن رجال الدين وشعوذاتهم التي لا تؤدي إلى أي نتيجة.، بمعنى أنها لا تؤدي إلى تحسين الواقع المادي للإنسان وإخراجه من حالة الجهل والفقر والتخلف إلى حالة العلم والاستنارة العقلية والتقدم.
ثم يختتم المؤلف كلامه قائلا: ولهذا السبب نجح مشروع التنوير في أوروبا وقضى على مشروع الأصوليين. وقد وجد الترجمة العملية له، أي التطبيق على أرض الواقع، من خلال الثورة الإنجليزية (1688)، فالثورة الأميركية (1776)، فالثورة الفرنسية (1789).
كلها كانت ثورات سياسية تتبنى مبادئ عصر التنوير وفلسفته.